جورج سمرجيان مصوِّرٌ لبنانيّ، وُلِدَ وحيدًا لوالديه في العام 1948 في بيروت. عمل مصوِّرًا صحفيًّا في الصّحافة اللبنانيّة لربع قرنٍ تقريبًا، أمضى معظمها في جريدة النَّهار.
جَازَفَ جورج كثيرًا، بل إنّه زاول مهنته مقيمًا في عين الخطر وجفن الرَّدى، يقتنص صوره على حَدَّي الاندفاع والإبداع. إنّه مُصَوِّرٌ هجوميّ متوثِّب، كان يمكث على أهبة فَنّه وضميره المهنيّ في تصويب كاميرته إلى حيث الجُرأةُ والإقدام، كأنّه يريد بتظهير صور الحرب تطهير جراح بيروت من تلقيم الرَّشَّاش بتلقيم الفلاش، وتضميد ما استعصى على الالتئام من الآلام بالصّورة أبلغَ من الكلام. لذلك، خُطِفَ جورج وأُصِيبَ في حومة الوغى وجولات الحرب مَرَّاتٍ عديدة. لكنّه كان من المؤمنين بقدره. سألته صحافيّة أجنبيَّة ذات لقاء، عمَّا يتَّكِلُ عليه عند الذَّهاب لتصوير المعارك، أجاب بلا تَرَدُّد: على دعاء أُمِّي. أصيب جورج بعد ذلك بشهرين في وسط بيروت، وبقي لأسبوع في المستشفى، ولم يصل إليه دعاء أُمِّه إلّا عبر الهاتف من بعيد، لتعذُّر مجيئها اليه في المستشفى بفعل القنص والقصف على المعابر الفاصلة بين شرق بيروت وغربها.
في الصُّوَر المرفقة بالنَّصّ صورة لجورج سمرجيان يحمل كاميرته في منطقة الجامعة العربيّة لتغطيةوقائع الاجتياح الإسرائيليّ لبيروت في حزيران ١٩٨٢، وصورة لحمامتين تعتليان سُلَّمًا متداعيًا بانتظار السَّلام الموعود، وصورة لجدٍّ وحفيدته يلوذان بالعَلَمِ اللبنانيّ قِبلةً وقُبلة، وصورة لأدوات موسيقيّة أريد لها أن تُغلقَ الشَّارع بترجيع صوتها وصمتها بديلًا من أزيز الرّصاص ودويّ المدافع، وصورة لمقاتل يضع في فوّهة بندقيّته وردةً لعلّ رصاصاتها تخجل من لون الوردة وعطرها، فتنكفئ وتنطفئ، أو تعتذر ممَّن تتربَّص بهم، وصورة لعروس وعريس في العام ١٩٨٣ عند خطوط التَّماس بين المتقاتلين، أصبحت أيقونة صور الحرب اللبنانيّة، العريس فيها لبنانيٌّ مسلم من آل جمعة، والعروس لبنانيَّةٌ مسيحيّة من آل أسطفان، يركنان بزواجهما إلى مودَّةٍ تغسل وجه بيروت من رماد النَّار وغبار الحقد، وإلى رحمةٍ وكلمةٍ سواء مؤدَّاها أنّ الحُبَّ بقاءٌ وارتقاء إلى سدرة المَسَرَّة وغبطة السَّلام في الأرض والسَّماء. فيتحدَّيان بأبيض الزِّفاف النَّقيّ النَّاصع ألوان الحرب القاتمةِ سوداءَ ومُرَقَّطة، ويعليان كلمة الحُبّ على كلمة الحرب، وصناعة الحياة على صناعة الموت.
لكنّ المفارقة المؤلمة، تكمن في أنّ من التقط هذه الصّورة الأيقونة، أي جورج سمرجيان نفسه، قضى بعد سبع سنوات برصاص الحرب قبل أن تضع أوزارها في شباط من عامها الأخير ١٩٩٠ في أنطلياس، تاركًا خلفه زوجته لوسي، وابنتين هما ماريَّا وسيفينا.
تحفظ سيفينا جورج سمرجيان في مقالٍ لها عن والدها قولين جميلين له، يختصران صورته وسيرته:
١- تجَوَّلْتُ في أرجاء الدُّنيا، فلم أجد بلدًا أجمل من لبنان.
٢- يجب أن تكون الصُّور مبهرة وتجذب انتباه القارئ الَّذي ينظر أوَّلًا إلى الصُّوَر قبل الكلمات المكتوبة تحتها.